الاحتلال الإسرائيلي والكنائس الأميركية

أشترك ليصلك جديد موسوعة المعلومات !


الكفاح العالمي ضد الاحتلال الإسرائيلي، يواجه الكثير من العثرات، ويحقق بعض الانتصارات. ففي الأيام الماضية، انتزعت الحركة العالمية لمقاطعة الاحتلال نصراً من بين فكي هزيمة منيت بها، إذا جاز التعبير. فالكنيسة المشيخية الأميركية ناقشت في جو بالغ السخونة، مشروع قرار يقضي بسحب استثماراتها من ثلاث شركات أميركية تدعم الاحتلال وتتربح من انتهاكه لحقوق الفلسطينيين.

فشركة كاتر بيللر تصدر البلدوزرات التي يستخدمها الاحتلال في هدم بيوت الفلسطينيين واقتلاع أشجارهم، وشركة موتورولا تصدر للاحتلال تكنولوجيا للتجسس والمراقبة التي يستخدمها في المستوطنات، أما شركة هيوليت باكارد فتبيع المعدات الثقيلة المستخدمة لحصار غزة بحرياً. وقد وافقت اللجنة المعنية في الكنيسة المشيخية بأغلبية كاسحة وصلت إلى 36: 11، على سحب استثمارات الكنيسة التي تقدر بحوالي 17 مليون دولار من تلك الشركات الثلاث.

وتم رفع الموضوع إلى الجمعية العامة للبت فيه. لكن الجمعية العامة رفضت سحب الاستثمارات، بواقع 333 صوتاً مقابل 331 صوتاً. ووافقت بدلاً من ذلك على مشروع قرار آخر يدعو إلى ما يسمى «الاستثمار الإيجابي»، أي «تشجيع الاستثمار في المشروعات التي تدعم السلام» في الأرض المحتلة.

ورغم أن التصويت مثّل هزيمة لأنصار الحقوق الفلسطينية، إلا أنه يمثل في الوقت ذاته انتكاسة لأنصار "إسرائيل". فبعد أن ضغطت منظمات لوبي "إسرائيل" بكل ما أوتيت من قوة، وهي قوة لا تقارن بأي حال بقوة المنظمات الداعمة للحقوق الفلسطينية، فاز أنصار "إسرائيل" بفارق صوتين فقط لا غير! والهامش الضئيل في التصويت، كان مشهداً وصفته نيويورك تايمز بأنه «حين عرض على الشاشة صدرت عن القاعة شهقة من هول المفاجأة».

ومن حق أنصار "إسرائيل" أن يشعروا بأن الفلسطينيين انتزعوا نصراً من براثن الهزيمة، ليس فقط بخصوص هذا التصويت، وإنما بخصوص ما يجري في كنائس أميركية أخرى. فما جرى في القاعة قبل تصويت الجمعية العامة للكنيسة المشيخية، مثل خطوة نوعية للأمام. فالمدافعون عن قرار سحب الاستثمارات لم تردعهم الضغوط الشديدة من أنصار "إسرائيل"، بل وصفها بعضهم علناً بـ «الابتزاز غير المقبول».

وكان من بين الحضور رموز يبعث وجودها برسالة بالغة التأثير، مثل السيدة سيندي كوري، والدة راشيل كوري، الفتاة اليهودية الأميركية التي سحقتها في الأرض المحتلة بلدوزرات الاحتلال الإسرائيلي، التي تنتجها شركة كاتر بيللر موضع الجدل.

لكن الأخطر من هذا كله هو التحول النوعي في لغة الخطاب السياسي، فكما قالت الصحافية الأميركية مورين مورفي، فقد انتقل ذلك الخطاب «من مجرد اعتراف المؤسسات الكبرى، كالكنيسة المشيخية بالظلم الواقع على الفلسطينيين، إلى اعتراف تلك المؤسسات بمسؤوليتها عن ذلك الظلم»، حين تستثمر أموالها في شركات تخدم الاحتلال.

والحقيقة أن معركة مقاطعة الشركات الأميركية التي تخدم الاحتلال، لا تقتصر على الكنيسة المشيخية، وإنما تمتد لتشمل كنائس أخرى. فقد ناقشت مثلاً الكنيسة الميثودية، الموضوع نفسه، وخضعت لضغوط مكثفة هي الأخرى، حتى جاء التصويت في مايو الماضي لمصلحة عدم المقاطعة وسحب الاستثمارات.

ووجود مثل تلك النقاشات الساخنة في الكنائس والتصويت بعدها بأغلبيات محدودة، يمثل في ذاته إنجازاً مهماً، فهو يكسر حاجز الصمت المفروض على جرائم الاحتلال في أميركا. والحقيقة أن بيان المسيحيين الفلسطينيين الذي صدر في عام 2009 باسم «كيروس- فلسطين»، لعب دوراً مهماً في الاستنهاض الروحي للكنائس حول العالم، بما في ذلك في أميركا. و«كيروس» كلمة لاتينية ذات دلالات دينية تتعلق بالحق والعدل الإلهي.

وبيان كيروس الذي كان موجهاً إلى مسيحيي العالم، بعد أن شرح تفصيلياً المأساة الفلسطينية، راح يرصد بدقة وموضوعية مسؤولية الأطراف المختلفة عن تلك المأساة، فلم يستثن أحداً، بمن في ذلك مسؤولية الفلسطينيين أنفسهم عن الانقسام الكارثي بينهم.

وبينما أكد البيان على اعتبار الاحتلال «خطيئة»، ودعا كل مسيحيي العالم لمواجهته، فإنه رفض صراحة التفسيرات الدينية التي يتبناها بعض مسيحيي الولايات المتحدة، من الإنجيليين تحديداً، ويسوغون من خلالها القهر والظلم على أرض فلسطين، فيما صار يعرف بالمسيحية الصهيونية.

والواضح أن كيروس - فلسطين استلهم بياناً صدر عام 1985، أطلق عليه وقتها «كيروس جنوب إفريقيا»، ودعا كنائس العالم لموقف مماثل من نظام الفصل العنصري المقيت، باعتباره «خطيئة» لا تقبلها المسيحية.

وقد لاقى بيان كيروس فلسطين ترحيباً في دول كثيرة، من كندا لجنوب إفريقيا. وفي يونيو 2011، أنشأت مجموعة من رجال الدين الأميركيين منظمة باسم «كيروس- الولايات المتحدة الأميركية»، أكدت على دعمها لكل أشكال المقاومة السلمية للاحتلال، بما فيها المقاطعة، وتعهدت بمساعدة كيروس- فلسطين على نشر رسالتها.

ولعل الأكثر أهمية على الإطلاق في هذا التطور، هو أن كيروس- الولايات المتحدة، قد ضمت، ليس فقط رموزاً من الكنيسة المشيخية والميثودية واللوثرية، وإنما ضم رموزاً بارزة ومؤثرة من الكنيسة الإنجيلية، الأكبر في أميركا، الأمر الذي يعني وقوف تلك الرموز الإنجيلية بوضوح ضد المسيحية الصهيونية، التي تبرر قهر الفلسطينيين على أساس فهم بعينه للإنجيل.. بل انضم لكيروس أميركا ما يسمى «مجلس حاخامات الصوت اليهودي من أجل السلام».

كل تلك التطورات إذا ما استمرت في ذات الاتجاه، فإنها تجعل الكنائس الأميركية مرشحة للعب الدور نفسه الذي لعبته ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في السبعينيات والثمانينيات. فطوال العقدين، نظمت الكنائس الأميركية حملات لسحب استثماراتها من الشركات التي تخدم نظام الفصل العنصري، ولعبت دوراً محورياً في مقاطعة ذلك النظام، وفرض العقوبات عليه، حتى سقط بالفعل مع نهاية العقدين.

المفارقة المثيرة للأسى، هي أن الكنائس الأميركية تتحرك لمقاطعة "إسرائيل"، بينما يتحرك الكثير من العرب في الاتجاه المعاكس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيان الإماراتية

تعديل الرسالة…

تذكر قول الله تعالى :(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

المشاركات الشائعة

انضم لاسرت معلومة